التدخين يقتل ... إنه واقع لا تقلل من شأنه
التدخين يقتل ... إنه واقع لا تقلل من شأنه
التدخين يقتل ... إنه واقع لا تقلل من شأنه
لعل أكثر ما يثير حفيظة المحب للتدخين أن تسدي له نصيحة أو تتفوّه أمامه عن مضار ما يقوم به، فهناك من يعتبر أن السجائر وإن كانت آفة فهو على درجة من الوعي بذلك والولع الى حدّ الحصانة والتمسك بلحظات هي بالنسبة إليه متعة لا تعوض.
وكنت قبل يومين أتحدث الى زميلتي نسرين المدخنة عن نيتي إعداد ملف حول مضار السجائر على الصحة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي يصادف اليوم، لم تستسغ نسرين الفكرة بل واستنكرت ما أسمته بـ "الغرف العنصرية" التي باتت تحاصر المدخنين في كثير من الدول الغربية وتحشرهم على طريقة الاذلال في مساحة لا تتعدى الـ 4 أمتار مربعة سواء في المطارات او محطات القطارات أو المطاعم والملاهي الليلية أو المرافق العامة . بالطبع إنني أحترم رأي زميلتي في حرية قرارها في الاستمرار في التدخين لكن عندما تتناول الكثير من الدراسات في السنوات الأخيرة ظاهرة التدخين السلبي حيث يستنشق غير المدخنين نسبة 40 % من انبعاثات السجائر فما علينا إلا أن نذكر بمضار التدخين علها تنفع الذكرى. خاصة وأن الحرية هنا لا تقتصر على ممارسها بل باتت تلحق الضرر بمن يحيطون به.
وبما أن الدخان يقتل شخصا كل ست ثوان في العالم ويحدث تلفا في الدماغ ناهيك عن الأضرار التي نعرفها جيدا كسرطان الرئة وأمراض القلب المميتة، ها نحن نضع ملفا نتوقف فيه عند واقع التدخين في دول مختلفة لنرى ما أنجز على هذا الصعيد قانونيا وصحيا.
لاحظت دراسة حديثة أن قشرة الدماغ لدى المدخن تكون أرق مقارنة مع الانسان الذي لم يدخن طوال حياته.
__________________________________________________________
تعد الحملات المناهضة للتدخين العدو الاكبر لدى شركات صناعة السجائر، فكلما زاد عدد المدخنين زادت ارباحها ومبيعاتها وتوسعت أعمالها، لذا تتصدى بشكل غير مباشر لكل دعاية تطالب بالاقلاع عن التدخين او تحذر من مخاطر التبغ.
ولقد دلت عدة دراسات ان حظر الدعايات فقط للترويج لنوع من السجائر في محطات التلفزيون على سبيل المثال ليس له أي تأثير يذكر على المستهلك، بل الحظر الكامل في كل الوسائل ومنع تبرع أصحاب مصانع السجاير أو مساهمتهم في دعم المؤسسات الخيرية والرياضية. فالكثير منها يلجأ الى هذه الوسيلة من أجل كسب المزيد من الزبائن، ودعاياتها تملأ ملاعب كرة القدم او غيرها من انواع الرياضات الشعبية ما يتناقض تماما مع روح الرياضة.
وتصرف هذه المصانع الملايين من أجل تصوير أجمل الدعايات في المناطق الخلابة والساحرة كالصحارى او بين الخيول وكأن ركوب الخيل لا يحلو الا بالسيجارة والتمتع بنكهتها. ورغم ان التدخين محظور منذ سنوات في ألمانيا، الا انه لم ينفذ بشكل جدي سوى عام 2006 حيث أقر البرلمان الاتحادي الحظر وفرض عقوبات على من يخالف.
لكن المعركة الاكثر شراسة كانت عام 2008 عندما شددت جميعات حماية الصحة والانسان على وجوب تنفيذ هذا القرار بشكل افضل وحظر التدخين في الأماكن العامة وغيرها، فجاء القرار الحاسم بعدها بمنع التدخين أيضا في المطاعم والمقاهي وأماكن العمل والمسارح والمسابح والمستشفيات والمدارس والجامعات والتجمعات التجارية ومترو الانفاق وملاعب الرياضة وحتى في بعض السجون، كما رفع سن من يريد شراء السجاير من 16 الى 18 سنة، تبع ذلك الحظر التام لبيعه لصغار السن مطلع عام 2008 ، لكن المشكلة تظل في الآلات الاوتوماتيكية لبيع السجائر في كل زاوية من الشارع ما يجعل إمكانية وصولها الى أيدي الاطفال أمرا سهلا.
ومن اجل تشديد الخناق على المدخنين يرفض اصحاب الشقق والمنازل منذ فترة تأجيرها لهم ، كما اصبحت هناك رحلات في الطائرات لغير المدخنين وأقسام خاصة بهم في القطارات. وظل الصراع طويلا مع أصحاب الحانات والمقاهي لاعفائهم من حظر التدخين لكن السلطات أصرت على قرارها ما دفعهم الى إنشاء أماكن للمدخين او وضع مدفأة كهربائية في الشتاء أمام الباب لهم. وبعد ان انتشرت الدعايات حول المخاطر الصحية على المدخن السلبي وبالاخص الأطفال أصبح التدخين لدى بعض العوائل ممنوعا، والشرفة هي الملجأ الوحيد للمدخنين.
وهذا خفض من نسبة المدخنين ولو نسبيا، فحسب بيانات وزارة الصحة فان كل واحد من أربعة ما فوق سن الـ 15 في المانيا مدخن، فيما وصلت نسبة من أقلع عن التدخين العام الماضي الى 19.7 في المائة، ولدى من هم ما بين ال15 وال20 الى 15،5 في المائة. وتظل المرأة اقل تدخينا من الرجل، واعلى نسبة لدى الرجال هي 42،5 في المائة في عمر ما بين ال30 و35 ولدى النساء ما بين وال20 وال30 الى 32.8 في المائة.
ويقول تقرير الجمعية الالمانية للامراض الصدرية وطب التنفس ان المرأة معرضة لخطر الاصابة بسرطان الرئتين اكثر من الرجل وخاصة اذا ما كانت مدخنة. وتزايد عدد المدخنات يدفع الى القول بان عدد المصابات بسرطان الرئة سوف يرتفع في السنوات المقبلة، وهو اليوم ضعف عدد الرجال.
ويعتبر سرطان الرئة خامس الامراض في العالم التي تؤدي الى الوفاة، وكان الرجال في السابق الاكثر عددا، لكن مع الوقت تصاب النساء ما بين ال40و45 به كما الرجال وتصل الى نسبة سبعة في المائة من المدخنين المدخنات. وينطلق أطباء امراض الصدر من مبدأ ان كل واحدة من ثلاث مدخنات قد تصاب بمرض سرطان الرئة بينما ستصل النسبة بين الرجال من 30 وحتى 50 في المائة كحد اقصى.
ويتحدث الكثيرون عن تجاربهم في وقف التدخين، حيث أجرى معهد ألماني استقراءا للرأي قال فيه فقط 16 في المائة انهم حاولوا الاقلاع عن التدخين ونجحوا بذلك لكن وزنهم زاد، مع ذلك لا يريدون التراجع عن قرارهم، في المقابل قال 39 في المائة ان هناك كبار في السن كانوا من المدخنين الشرسين ولم يصابوا بأي اذى فلماذا أحرم نفسي من هذه المتعة خاصة مع فنجان قهوة أو كأس نبيذ، لكن اكثر من 59 في قالوا ان السيجارة تسيطر عليهم تماما.
وتقول دراسة صدرت عن مستشفى شاريته في برلين ان التدخين لا يلحق الضرر بالرئة بل ايضا بالدماغ، فالمدخن تكون قشرة دماغه ارق من الانسان الذي لم يدخن طوال حياته. حيث أخضع الاطباء في هذا المستشفى 50 من المدخنين وغير المدخنين لتصوير الرنين المغناطيسي لادمغتهم فاتضح ان سماكة المخ بين المدخنين اقل في المتوسط بالمقارنة مع غير المدخنين. فهل هذا يعني ان النيكوتين يلحق الضرر بخلايا المخ؟
هنا يقول الاطباء من غير الواضح ما اذا كان التدخين يلعب دور في تقليل سماكة المخ، ام ان أصحاب الدماغ الارق يميلون الى التدخين، اذ اتضح بعد تجارب اجريت على الحيوانات بان النيكوتين يحدث تغيير لتطور المخ ويسبب تلفا لخلايا الأعصاب، ولهذا لا يستبعدون ان يكون له دور في تقليل سماكة المخ. لكن يجب عدم استبعاد عامل الوراثة فيما يتعلق بالادمان على النيكوتين، والتجارب المقبلة سوف تتركز على تحديد ما اذا كان شكل المخ للمدخن يصبح طبيعيا اذا ما توقف عن التدخين.
ويبدو ان حملات التوعية في المانيا جعلت نسبة المدخنين في سن المراهقة يتراجع بشكل ملحوظ ، فحسب تقرير المركز الاتحادي لحماية الصحة يدخن حاليا فقط 13 في المائة من المراهقين ما بين سن 12 و17 سنة، وهذه اقل نسبة تعرفها المانيا منذ ثلاثين عاما، ما يعني ان نسبة المدخنين في هذا السن قد تراجعت الى النصف مقارنة مع احصائيات عام 2001، لكن المشكلة ان نسبة الذين يعاقرون الخمر زادت. ونسبة الصبيان تصل الى 14 في المائة بينما البنات فلا تتجاوز ال 12 في المائة، وكانت قبل عامين 16 في المائة.
وأعادت المؤسسة ذلك الى المنشورات والنصائح التي توجه الى الفتيات تتعلق بمدى اضرار التدخين على الصحة والجمال. كما تراجعت نسبة المدخنين للاعمار ما بين 18 و25 خمسة في المائة مقارنة مع عام 2008 وهي اليوم 38 في المائة، وهي ايضا الاقل منذ اكثر من عشرين عاما. وبناء عليه فان نسبة غير المدخنين لدى القاصرين في المانيا في تزايد متواصل ووصلت الى 68 في المائة وكانت النسبة عام 2001 حوالي 41 في المائة.